خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن فهد بن ثعلبة من ربات الفصاحة والبلاغة،
تزوجها أوس
بن الصامت أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنهما. وهو ممن شهد بدرا
وأحدا
والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
راجعت خولة زوجها أوس بن الصامت في شيء فغضب فقال: «أنت علي كظهر أمي»، ثم خرج الزوج بعد أن قال ما قال فجلس في نادي القوم ساعة ثم دخل عليها يريدها عن نفسها، فامتنعت حتى تعلم حكم الله في مثل هذا الحدث. فقالت: كلا والذي نفس خولة بيده، لا تخلصن إلي، وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، وخرجت خولة حتى جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت من زوجها، وهي بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله في الأمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أمرنا في أمرك بشيء ما أعلمك إلا قد حرمت عليه»، والمرأة المؤمنة تعيد الكلام وتبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد يصيبها وابنها إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أعلمك إلا قد حرمت عليه» وهنا رفعت يديها إلى السماء وفي قلبها حزن وأسى، وفي عينيها دموع وحسرة قائلة: اللهم إني أشكو إليك ما نزل بي.. وما كادت تفرغ من دعائها حتى تغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، ثم سري عنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا» ثم قرأ عليها الآيات من سورة المجادلة: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير...) إلى قوله: (وللكافرين عذاب أليم). ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم كفارة الظهار. ومما روي في شأن خولة رضي الله عنها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بها في زمن خلافته وهو أمير المؤمنين وكان راكبا على حمار، فاستوقفته خولة طويلا ووعظته، وقالت له: يا عمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك: يا عمر، ثم قيل لك: يا أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب. فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الموقف. فقال رضي الله عنه: «والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما زلت إلا للصلاة المكتوبة، إنها خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!». فوائد قصة الصحابية أولا: رأيها السديد في الامتناع عن معاشرة زوجها بعد ان قال: أنت علي كظهر أمي، وضرورة معرفة حكم الدين في هذه القضية.ثانيا: رأيها السديد في الحرص على مستقبل وتماسك أسرتها، يتجلى ذلك في قولها: إن أوسا ظاهر مني، وإنا ان افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته.ثالثا: رأيها السديد في رفع الأمر الى النبي والذي بيده الأمر. ولولا رجاحة عقل خولة، وحكمة تصرفها، وقوة رأيها لقعدت في بيتها تجتر الهموم حتى تهلك هي
وأسرتها، ولما كانت سببا في نزول تشريع عظيم يشملها ويشمل المسلمين والمسلمات
جميعا الى يوم القيامة، وهذا التشريع العظيم هو: حل مشكلة الظهار.