العميد أركان حرب/ إبراهيم الرفاعي ولد هو مواليد شارع البوسته بحى العباسية بالقاهرة ووالده من الدقهلية في 26 يونيو 1931، وقد ورث عن جده (الأميرالاى) عبد الوهاب لبيب التقاليد العسكرية والرغبة في التضحية فدائاً للوطن، كما كان لنشئته وسط أسرة تتمسك بالقيم الدينية أكبر
الأثر على ثقافته وأخلاقه.
البدايه
التحق إبراهيم بالكلية الحربية عام 1951 وتخرج 1954، وأنضم عقب تخرجه إلى سلاح المشاة وكان ضمن أول فرقة قوات الصاعقة المصرية في منطقة (أبو عجيلة) ولفت الأنظار بشدة خلال مراحل التدريب لشجاعته وجرأته منقطعة النظير.
تم تعيينه مدرسا بمدرسة الصاعقة وشارك في بناء أول قوة للصاعقة المصرية وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر 1956 شارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد. يمكن القول أن معارك بورسعيد من أهم مراحل حياة البطل إبراهيم الرفاعي، إذ عرف مكانه تماما في القتال خلف خطوط العدو، وقد كان لدى البطل أقتناع تام بأنه لن يستطيع أن يتقدم مالم يتعلم فواصل السير على طريق أكتساب الخبرات وتنمية إمكانياته فالتحق بفرقة 'بمدرسة المظلات' ثم أنتقل لقيادة وحدات الصاعقة للعمل 'كرئيس عمليات'.
الترقيه والقياده
أتت حرب اليمن لتزيد خبرات ومهارات البطل أضعافا، ويتولى خلالها منصب قائد كتيبة صاعقة بفضل مجهوده والدور الكبير الذي قام به خلال المعارك، حتى أن التقارير التي أعقبت الحرب ذكرت أنه ضابط مقاتل من الطراز الأول، جرئ وشجاع ويعتمد عليه، يميل إلى التشبث برأيه، محارب ينتظره مستقبل باهر. خلال عام 1965 صدر قرار بترقيته ترقية أستثنائية تقديرًا للإعمال البطولية التي قام بها في الميدان اليمنى.
بعد معارك 1967 بدأت قيادة القوات المسلحة في تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة في سيناء، كمحاولة من القايدة لإستعادة القوات المسلحة ثقتها بنفسها والقضاء على إحساس العدو الإسرائيلي بالإمن، ولقد وقع الإختيار على البطل / إبراهيم الرفاعي لقيادة هذه المجموعة، فبدأ على الفور في إختيار العناصر الصالحة للتعاون معه.
أول العمليات المرعبه
كانت أول عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو عن 'الشيخ زويد' ثم نسف 'مخازن الذخيرة' التي تركتها قواتنا عند أنسحابها من معارك 1967، وبعد هاتين العمليتين الناجحتين، وصل لإبراهيم خطاب شكر من وزير الحربية على المجهود الذي يبذله في قيادة المجموعة.
مع الوقت كبرت المجموعة التي يقودها البطل وصار الإنضمام إليها شرفا يسعى إليه الكثيرون من أبناء القوات المسلحة، وزادت العمليات الناجحة ووطأت أقدام جنود المجموعة الباسلة مناطق كثيرة داخل سيناء، فصار أختيار اسم لهذه المجموعة أمر ضرورى، وبالفعل أُطلق على المجموعة اسم المجموعه 39 قتال، وأختار الشهيد البطل / إبراهيم الرفاعي شعار رأس النمر كرمز للمجموعة، وهو نفس الشعار الذي أتخذه الشهيد/ أحمد عبد العزيز خلال معارك 1948.
كانت نيران المجموعة أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة 1967، وأصبحت عملياتها مصدرًا للرعب والهول والدمار على العدو الإسرائيلي أفرادًا ومعدات، ومع نهاية كل عملية كان إبراهيم يبدو سعيدًا كالعصفور تواقا لعملية جديدة، يبث بها الرعب في نفوس العدو.
صرخات العدو
تناقلت أخباره ومجموعته الرهيبة وحدات القوات المسلحة، لم يكن عبوره هو الخبر أنما عودته دائما ما كانت المفاجأة، فبعد كل إغارة ناجحة لمجموعته تلتقط أجهزة التصنت المصرية صرخات العدو وأستغاثات جنوده، وفي إحدى المرات أثناء عودته من إغارة جديدة قدم له ضابط مخابرات هدية عبارة عن شريط تسجيل ممتلئ بإستغاثات العدو وصرخات جنوده كالنساء.
أصوات السلام
مع حلول أغسطس عام 1970 بدأت الأصوات ترتفع في مناطق كثيرة من العالم منادية بالسلام بينما يضع إبراهيم برامج جديدة للتدريب ويرسم خططا للهجوم، كانوا يتحدثون عن السلام ويستعد هو برجاله للحرب، كان يؤكد أن الطريق الوحيد لإستعادة الأرض والكرامة هو القتال، كان على يقين بإن المعركة قادمة وعليه أعداد رجاله في إنتظار المعركة المرتقبة.
صدق حدس الشهيد وبدأت معركة السادس من أكتوبر المجيدة، ومع الضربة الجوية الأولى وصيحات الله أكبر، أنطلقت كتيبة الصاعقة التي يقودها البطل في ثلاث طائرات هليكوبتر لتدمير آبار البترول في منطقة بلاعيم شرق القناة لحرمان العدو من الاستفادة منها وينجح الرجال في تنفيذ المهمة.
تتوالي العمليات
وتتوالى عمليات المجموعة الناجحة ففي السابع من أكتوبر تُغير المجموعة على مواقع العدو الإسرائيلي بمنطقتي شرم الشيخ ورأس محمد وفي السابع من أكتوبر تنجح المجموعة في الإغارة على مطار (الطور) وتدمير بعض الطائرات الرابضة به مما أصاب القيادة الإسرائيلية بالإرتباك من سرعة ودقة الضربات المتتالية لرجال الصاعقة المصرية البواسل.
في الثامن عشر من أكتوبر تم تكليف مجموعة البطل بمهمة إختراق مواقع العدو غرب القناة والوصول إلى منطقة (الدفرسوار) لتدمير المعبر الذي أقامه العدو لعبور قواته، وبالفعل تصل المجموعة فجر التاسع عشر من أكتوبر في نفس الوقت الذي تتغير فيه التعليمات إلى تدمير قوات العدو ومدرعاته ومنعها من التقدم في إتجاه طريق ('الإسماعيلية / القاهرة').
وعلى ضوء التطورات الجديدة يبدأ البطل في التحرك بفرقته، فيصل إلى منطقة (نفيشه) في صباح اليوم التالى، ثم جسر (المحسمة) حيث قسم قواته إلى ثلاث مجموعات، أحتلت مجموعتين إحدى التباب وكانت تكليفات المجموعة الثالثة تنظيم مجموعة من الكمائن على طول الطريق من جسر (المحسمة) إلى قرية (نفيشه) لتحقيق الشق الدفاعي لمواقعها الجديدة. وما وصلت مدرعات العدو حتى أنهالت عليها قذائف الـ (آر بي جي) لتثنيه عن التقدم، ويرفض بطلنا / إبراهيم الرفاعي هذا النصر السريع ويأمر رجاله بمطاردة مدرعات العدو لتكبيده أكبر الخسائر في الأرواح والمعدات.
الثغرة واستشهاد الرفاعي
يحكي أبو الحسن قصة الثغرة واستشهاد الشهيد العميد إبراهيم الرفاعي فيقول : كنا بعد كل عملية كأننا نولد من جديد فكنا ننزل في أجازة ولكن بعد الثغرة عدنا إلي مقرنا وتوقعنا أن نحصل علي أجازة ولكننا وجدنا الرفاعي وقد سبقنا وفوجئنا أن هناك سلاح تم صرفه لنا وكله مضاد للدبابات وكانت الأوامر أن نحمل السلاح علي السيارات ونعود مرة أخرى إلي الإسماعيلية ودخلنا الإسماعيلية ورأينا الأهوال مما كان يفعله الإسرائيليين بجنودنا من الذبح وفتح البطون والعبور فوق الجثث بالدبابات، وكان العائدون من الثغرة يسألوننا أنتم رايحين فين وكنا نسأل أنفسنا هذا السؤال وكنت أجلس في آخر سيارة وكانت سيارة (الذخيرة) وكان ذلك خطر لأن أي كمين يقوم بالتركيز علي أول سيارة وآخر سيارة، ورأي أحد السائقين 3 مواسير دبابات إسرائيلية تختفي وراء تبة رمال وكانوا ينتظروننا بعد أن رأونا وكنا متجهين لمطار فايد، وأبلغنا السائق باللاسلكي وصدرت الأوامر بالتراجع فنزلت من السيارة بسرعة لأننا كنا نسير فوق (مدق) وحوله رمال وكان الإسرائيليون يزرعون الألغام بتلك الرمال فحاولت توجيه السائق حتى لا ينزل إلي الرمال وهو يدور بالسيارة ولكن السائق رجع بظهره بسرعة ووراؤه بقية السيارات وعدنا للإسماعيلية وجاء أمر لنا بأن نعود لفايد مرة أخرى فعدنا وودعنا بعضنا قبل الدخول لأننا أيقننا أن داخلين علي الموت ودخلت السيارات تحت الشجر وترجلنا ومعنا أسلحتنا وقررنا أن نفعل شيء ذو قيمة قبل أن نموت وفوجئ اليهود بما ليس في بالهم وبدأنا في التدمير و(هجنا هياج الموت) وصعد أربعة منا فوق قواعد الصواريخ وكان الرفاعي من ضمننا وبدأنا في ضرب دبابات العدو وبدؤوا هم يبحثوا عن قائدنا حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاثة أجهزة اتصال فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية ورأيناهم فقفزت من فوق قاعدة الصواريخ وقفز زملائي ولم يقفز الرفاعي وحاولت أن أسحب يده ليقفز ولكنه (زغدني) ورفض أن يقفز وظل يضرب في الإسرائيليين حتى أصابته شظية فأنزلناه وطلبنا أن تحضر لنا سيارة عن طريق اللاسلكي وكنا نشك أن أي سائق سيحضر ولكن سائق اسمه سليم حضر بسرعة بالسيارة ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال فنزل السائق وزميله لدفعها وقدتها ودارت السيارة ولم أتوقف حتى يركبوا معي من شدة الضرب الموجه لنا فتعلقوا في السيارة وسحبتهم ورائي، وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاء ذا لون مختلف عن بقية المجموعة وعندما رأي زملاؤنا حذاؤه أبلغوا باللاسلكي أن الرفاعي أصيب وسمعهم اليهود وعرفوا الخبر وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بالمناسبة وذهبنا به لمستشفي الجلاء وحضر الطبيب وكانت الدماء تملأ صدره وقال لنا (أدخلوا أبوكم) فأدخلناه غرفة العمليات ورفضنا أن نخرج فنهرنا الطبيب فطلبنا منه أن ننظر إليه قبل أن نخرج فقال أمامكم دقيقة واحدة فدخلنا إليه وقبلته في جبهته وأخذت مسدسه ومفاتيحه ومحفظته ولم نستطع أن نتماسك لأننا علمنا أن الرفاعي استشهد وكان يوم جمعة يوم 27 رمضان وكان صائماً فقد كان رحمة الله يأمرنا بالإفطار ويرفض أن يفطر وقد تسلمنا جثته بعد ثلاثة أيام وفي حياتنا لم نر ميت يظل جسمه دافئاً بعد وفاته بثلاثة أيام وتنبعث منه رائحة المسك.. رحمة الله