كشف اللواء باقي زكي يوسف صاحب فكرة إزالة الساتر الترابي باستخدام المياه عن أسرار جديدة لحرب أكتوبر، مؤكداً أنه لم يكن أحد
يتوقع أن يتم العبور إلا بخسائر فادحة لا تقل عن أربعين ألف جندي .
وقال اللواء باقي في حديث خاص لـ «النهار» انه كان يشعر بأن رأسه تناطح السحاب وهو يرى عبور الجنود إلى الضفة الأخرى بنجاح باهر وبخسائر لا تتجاوز 87 جندياً، وأوضح أن فكرة إزالة الساتر الترابي باستخدام مضخات المياه راودته عندما كان في اجتماع للفرقة 19، كاشفاً عن أنه أثناء انتدابه في إنشاء السد العالي عمل كثيراً في نقل وخلط الرمال باستخدام مضخات تسحب الماء وتضخها مرة ثانية بقوة كبيرة. وأكد اللواء يوسف أنه كان يستشعر توفيق الله وتأييده أثناء المعركة متذكراً مشاهد البطولة والفداء من القيادات والجنود،لافتاً إلى أن أعطال المركبات أثناء المعركة كانت في أقل معدلاتها أثناء المعركة...وفيما يلي نص الحديث:
كيف جاءتك فكرة إزالة الساتر الترابي بخراطيم المياه؟
البداية كانت بعدما صدرت تعليمات للفرقة 19 بقيادة اللواء ممدوح جاد تهامي بالاستعداد لعبور قناة السويس، وكانت هناك مشاكل تواجهنا لعبور قناة السويس، وأصبح التفكير في كيفية التغلب على مشاكل العبور والاستعداد له، ومن أهم المشاكل كيفية التغلب على الساتر الترابي الذي يمتد من بورسعيد شمالا إلى السويس جنوبا بطول حوالي 160 كيلومتراً.
وكنا في تلك الأثناء نزداد غيظاً كلما شاهدنا الإسرائيليين يقيمون خنادق وتحصينات، وكان الساتر الترابي-خط بارليف- يعلو يوما بعد يوم وهو مكون من كثبان رملية طبيعية تكونت من ناتج حفر قناة السويس، ووضع رمل الحفر على الضفة الشرقية من القناة حيث الناحية الغربية أراضٍ زراعية وأوصلوا الكثبان الرملية الطبيعية مع ناتج حفر قناة السويس بشكل يقربهم من القناة حتى أصبحت درجة ميل الساتر الترابي مع قاع القناة (80 درجة)، واقترب أن يكون زاوية قائمة حتى يصعب الصعود عليه أو انهياره، وأصبح ارتفاع الساتر 20 مترا بعمق من8 إلى 12 متراً وفي بعض المناطق كان العمق 200 متر.
وفي أكتوبر عام 1969 اجتمع بنا قائد الفرقة 19 حينذاك اللواء أركان حرب سعد زغلول عبدالكريم في منطقة عجرود في القرب من مدينة السويس على الضفة الغربية للقناة، لتحديد مهام الفرقة وتخطي مشاكل العبور، وحضر الاجتماع رئيس الأركان العميد أركان حرب أبو الفتح محرم، ورئيس العمليات اللواء أركان حرب طلعت مُسلم، رئيس فرع المهندسين العقيد سمير خزام، ورئيس فرع الإشارة العقيد صبحي اليوسف، ورئيس فرع الاستطلاع الرائد عادل زكريا.
وعَرَضَ قائد الفرقة اللواء سعد زغلول المهمة بالتفصيل، ثم طلب من كل رئيس تخصص عرض رأيه حول مهمة عبور قناة السويس، فجميع الحاضرين شرحوا في تقاريرهم مكونات الساتر الترابي من نشأته، تكوينه، ارتفاعه، التجهيزات الفنية الموجودة به.
وكان من واجب المهندسين الاهتداء إلى أسلوب عملي لفتح الثغرات في الساتر الترابي الهائل الذي يمتد على طول الشاطئ الشرقي للقناة ... وقد أجريت من أجل التوصل إلى الحل المطلوب مئات التجارب واستحدثت شتى الوسائل والأساليب التي كان من ضمنها : النسف بالمفرقعات، استعمال البلدوزرات، القصف بالطيران، الرمي بالمدفعية والصورايخ إلا أن كل هذه التجارب فشلت في تحقيق النتائج المطلوبة.
مقترحات صعبة
وجاءت آراء رؤساء التخصصات في كيفية التغلب على الساتر الترابي فمنهم من قال بالقنابل، وآخر بالصواريخ، والمفرقعات، والمدفعية، وجميع هذه الآراء أشارت إلى أن توقيت فتح الثغرات في الساتر الترابي يستغرق 12-15 ساعة، وكانت هذه المقترحات والأفكار في غاية الصعوبة لتنفيذها من خسائر مادية وتستغرق وقتا طويلا، وجاءت آراء المجتمعين موافقة لما يتم تدريسه في المعاهد والأكاديميات العسكرية التي تجمع على أن أي ساتر ترابي يمكن التغلب عليه بالقنابل والمفرقعات، وفي لحظة والمناقشات مستمرة والأفكار تنتقل من طرف لآخر في الاجتماع دار في ذهني مكونات الساتر الترابي التي شرحها رؤساء الأفرع- مكون من رمال وأتربة وناتج حفر- وربطتها بعملية التجريف التي قمنا بها خلال إنشاء السد العالي عام 1963.
وكنت أقول لنفسي وقتها لو أن ذلك الساتر في أسوان لكنا أزلناه بالمياه كما فعلنا في إنشاء السد، وطلبت عندها الكلمة من قائد الفرقة لكي أبدي رأيي في هذه المشكلة فقال لي لماذا تتعجل الحديث إن دورك سيأتي في الآخر فأنت مسؤول المركبات التي ستحمل كل تلك المعدات فلا تتعجل الحديث فقلت له أريد أن أتحدث عن إزالة الساتر وقلت: «سمعت الآن أن الساتر مكون من رمال، وربنا حط المشكلة وجنبها الحل يا فندم».. فتساءل قائد الفرقة كيف فأجبته:باستخدام الطلمبات ذات الضغط العالي، التي توضع على زوارق خفيفة، نقوم بسحب المياه من القناة ثم تضخ بقوة اندفاع عالٍ باستخدام «الباشبور» على الساتر الترابي الموجود أمامنا مباشرة والمجاور للقناة، حيث إن قوة دفع المياه تضغط على الرمال وتنزلها بوزنها الذاتي إلى حافة القناة.
وأخذت أشرح الفكرة التي تعد غير تقليدية وجميع الحاضرين في صمت ودهشة قائلا: خلال عملي في السد العالي عام 1963 نقلنا حوالي 10 ملايين متر مكعب بالتجريف. فرد قائد الفرقة قائلا: وماذا كنتم تفعلون في السد العالي؟
فأجبته: كنا نسحب المياه من نهر النيل ثم نضغطها على جبال من الرمال، المياه تزيل الرمال في أحواض خليطة نقوم بعملها أسفل الجبل، نقوم بعد ذلك بسحب «الخليطة» من الأحواض في مواسير قطرها (60 سم) ليتم توصيلها بعد ذلك إلى جسم السد العالي.
وفي حالة وجود الجبل بعيدا عن السد العالي نضع طلمبات تقوية في الوسط تساعد على استمرار تدفق « الخليطة» داخل المواسير إلى جسم السد.
وقلت له: «يا فندم أنا لا أريد جميع العمليات التي تمت بالسد العالي فالساتر الترابي في قناة السويس يحتاج إلى الآتي: سحب المياه من القناة ثم ضخها بقوة اندفاع على الساتر الترابي مع استمرار تدفق المياه على الساتر وعودتها محملة برماله، ويتم فتح الثغرة بعمق الساتر وبالعرض الذي أريده وفي وقت قصير حوالي 3 ساعات على حسب قوة الطلمبة المستخدمة، وذلك على طول الضفة الشرقية للقناة».
مناقشة الفكرة
وماذا كان رأي قائد الفرقة اللواء سعد زغلول بعد عرض فكرتك؟
قائد الفرقة بدأ يناقش فكرتي مع رؤساء التخصصات وتأثيرها على أعمال القتال الموجودة واتضح من المناقشة أنه لا توجد أي مشاكل مبدئية في المياه المحملة بالرمال عند عودتها إلى القناة ولا في تربة الثغرة.
وبعد المناقشات المستفيضة في الاجتماع شعر قائد الفرقة أن هذه الفكرة يجب أن تدرس جيدا، وخصوصا أن البدائل التي عرضت في الاجتماع لحل مشكلة العبور كانت بدائل تقليدية وقد تكون متوقعة من العدو، وكان هناك عائق أن الطلمبات السوفييتية لم تكن لتصلح للاستخدام في مسرح العمليات بالقناة لضخامة حجمها وثقل وزنها وتعذر نقلها إلى الشاطئ الآخر.
في نهاية الاجتماع قام قائد الفرقة بالاتصال بقائد الجيش الثالث اللواء طلعت حسن علي، وقال له «يا فندم بعد مناقشتنا المهمة في موضوع يتعلق بالساتر يهمنا حضرتك تسمعه»، وقال قائد الجيش لقائد الفرقة: «تعال لي الصبح»
هل تتذكر لقاءك بقائد الجيش الثالث؟
في الصباح توجهنا أنا وقائد الفرقة اللواء سعد زغلول إلى قيادة الجيش غرب القناة لملاقاة قائد الجيش الثالث وعرض الفكرة عليه.
وبعد الانتهاء من شرح الفكرة التفصيل، قام قائد الجيش بالاتصال تلفونيا برئيس مهندسي الجيش لسماع الفكرة وإبداء رأيه. قال لي رئيس المهندسين: «اشرح لي الفكرة مرة ثانية»، فلخصت الفكرة في انها طلمبات ضغط عالٍ تسحب المياه وتضخها بواسطة مدافع مياه موجهة مباشرة على الساتر الترابي فتتساقط المياه بالرمال أسفل القناة»، وبعد عرض الفكرة على قائد الجيش ورئيس مهندسي الجيش، تقرر أن أذهب فورا من قيادة الجيش إلى نائب رئيس هيئة العمليات اللواء ا.ح/ ممدوح جاد تهامي لعرض الفكرة عليه.
كان اللواء جاد تهامي قائد الفرقة 19 قبل اللواء سعد زغلول وكان يعرفني جيدا، شرحت له الفكرة، فطرق اللواء سعد المنضدة بيده صائحاً « هي يا ابني مش هتيجي غير كده، القنابل والمدفعية والصواريخ فوق رأسنا من فوق» .
وحينها اتصل اللواء جاد تهامي باللواء نوفل رئيس هيئة العمليات، وعرض عليه الفكرة تلفونيا.. فقال له «خل باقي يذهب إلى مدير المهندسين يشرح له الفكرة»، وبالفعل ذهبت إلى مدير المهندسين اللواء جمال محمد علي وقمت بشرح الفكرة.. فقال لي «مَن مِن ضباط إدارة المهندسين كان معك في السد العالي؟»
قلت: كان معنا العقيد شريف مختار ضابط في إدارة المهندسين فاتصل مدير المهندسين بالعقيد شريف مختار- الذي كان وقتها يخدم في إدارة المهندسين بالجيش الثالث- الذي أيد الفكرة تماما لأنه شاهد بنفسه الطرق المستخدمة في السد العالي.
وتأكد للجميع أن ذلك حل عملي وسهل وتم عن طريقه تلافي جميع عيوب الطرق السابقة وما يثير الدهشة أنه رغم إجراء عشرات التجارب على أسلوب فتح الثغرات بطريقة التجريف فإن الإسرائيليين لم يفطنوا إلى أن المهندسين المصريين توصلوا إلى هذا الأسلوب الجديد في فتح الثغرات، وفوجئوا به مفاجأة تامة يوم 6 أكتوبر 1973.
بعد عرض فكرتك على قادة الجيش .. كيف تم تطبيقها عمليا؟
ذهبت إلى وزارة السد العالي وكان مقرها في شارع جواد حسني بالقاهرة، وطلبت من زميل لي في الوزارة «نشرات ورسوماً وأفلاماً فوتوغرافية بها صور للتجريف التي كانت تطبع وتصور في فترة انتدابي للسد العالي» واستغرب زميلي لهذا الطلب، حيث أقنعته أن هناك مناسبات قومية للضباط والعساكر سنعرض خلالها الصور، وبعد ذلك ذهبت إلى قيادة الفرقة 19 ومعي النشرات والرسومات، وطلب مني قائد الفرقة اللواء سعد زغلول كتابة تقرير مفصل موضحا فيه المعدات المطلوبة للتجربة، وكيف نحصل عليها، وأماكن وجودها، وجميع الإجراءات والتجهيزات اللازمة لإتمام العملية، وكتبت تقريرا مفصلا وضعت فيه المعلومات والحسابات العملية. في صباح اليوم التالي اتصل بي قائد الفرقة وطلب مني التقرير على الفور.
فذهبت إلى قائد الفرقة ومعي التقرير الذي سهرت عليه يوما كاملا في كتابته، حيث طلب مني الذهاب إلى ضابط الاتصال إبراهيم عطوة - الذي سلمه إلى هيئة العمليات بالجيش الثالث - بعد أسبوع من تسليم التقرير ذهبت إلى قائد الفرقة وقال لي «عرضت فكرتك على الرئيس جمال عبدالناصر، والرئيس اهتم بها جدا، وأعطى تعليمات إلى الجهات المختصة بسلاح المهندسين لدراسة الفكرة وتجربتها عمليا».
وطلب مني اللواء سعد زغلول أن أحضر له أي مسودات أو أوراق مكتوب عليها الفكرة، وذلك لأنها أصبحت في مرحلة الدراسة والتجارب - أي مرحلة مهمة جدا - وبالفعل أحضرت له المسودة وقام بحرقها بنفسه أمامي وطلب مني عدم التحدث نهائيا في هذا الموضوع وأن ألتزم الصمت.
وعلمت أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أعجب بالفكرة بعد عرضها عليه في الاجتماع، وأمر بتجربتها واستخدامها في حالة نجاحها، وعليه فقد قامت ادارة المهندسين بالعديد من التجارب العملية والميدانية على الفكرة زادت على 300 تجربة اعتبارا من سبتمبر عام 1969، وتم على ضوء النتائج المرصودة اقرار استخدام فكرة تجريف الرمال بالمياه المضغوطة كأسلوب عملي لفتح الثغرات في الساتر الترابي شرق القناة في عمليات العبور المنتظرة .
ولاقت الفكرة من بدء ظهورها وخلال مسار عرضها وتجربتها وثبوت صلاحية استخدامها، كل اهتمام وتأييد، لأنها وضعت في أيدي قادة أمناء، اهتموا بها وتكتموا على اجراءاتها، حتى تم التنفيذ الرائع لها في ملحمة العبور عام 73 بصورة أذهلت العالم .
التجريب العملي
ما دور ادارة المهندسين في تحويل الفكرة الى حقيقة على أرض الواقع؟
تم تجريب الفكرة لمرات عدة كانت بدايتها في سبتمبر 1969 بمنطقة حلوان حيث قامت ادارة المهندسين باجراء التجارب والدراسات التي وصلت الى 300 تجربة، وتم استخدام «طلمبة» كبيرة الحجم وتعمل بالكهرباء من السد العالي في أولى التجارب - بعد ذلك تمت التجارب باستخدام «الطلمبات الميكانيكية» المستوردة من انكلترا وهي أقل وزنا وأكبر قدرة في فتح الثغرة في حوالي 4 ساعات -، وبعدها تم استخدام «الطلمبات التوربينية المستوردة من ألمانيا بحجة استخدامها في الحريق- فهي صغيرة الحجم، وذات قوة دفع عالية وتعمل بالديزل، وأتاحت فتح الثغرة في حوالي ساعتين.
وكانت جميع التجارب تتم على أنواع من الرمال والأتربة المماثلة للساتر الترابي في قناة السويس، حيث تمت تجربة العملية في جزيرة البلاح في الاسماعيلية على الساتر الترابي - هو ناتج الحفر والتطهير والتوسيع في يناير 1972 - وتم فتح الثغرة في أقل من 3 ساعات.
هل كنت تشارك في عمليات التجارب؟
اقتصرت مهمتي فقط في كتابة التقرير عن الفكرة، وبعدها انقطعت صلتي بهذا الموضوع لأنه اخذ محمل الجد والسرية التامة، وأصبح الموضوع في يد الجهات المختصة - المهندسين - الذين قاموا بتطوير الفكرة، وقاموا بتدريب الجنود على أسلوب فتح الثغرات، وكنت أسمع أخبار التجارب من اللواء على فؤاد مدير ادارة المياه. ولم تتوقف اطلاقا منذ عام 1969 حتى انتهت عملية التجارب في يناير 1972، وتم اتخاذ قرار باستخدام تجريف المياه كأسلوب لفتح الثغرات في الساتر الترابي شرق القناة وذلك في عمليات العبور المستقبلية.
وأوضحت الحسابات العملية أننا لكي نقوم بعبور قناة السويس نحتاج الى فتح 85 ثغرة أي نقوم بازالة 130 ألف متر مكعب من الساتر الترابي لشرق القناة.
يختلط الأمر على عوام الناس بين خط بارليف والساتر الترابي فما هو الفرق بينهما ؟
خط بارليف عبارة عن ثلاث نقاط رئيسة حصينة في السد وهي مبنية بالخرسانة المسلحة وبها قضبان من الصلب لاضفاء المتانة والتحصين الشديد على تلك النقاط وتحتوي النقاط الثلاث على 20 نقطة حصينة تسمى «دشم» على مسافات تتراوح بين10 الى 12 كم وفي كل نقطة حوالي 15 جنديا تنحصر مسؤوليتهم في الابلاغ عن أي محاولة لعبور القناة وتوجيه المدفعية الى مكان القوات التي تحاول العبور. كما كانت عليه مصاطب ثابتة للدبابات، بحيث تكون لها نقاط ثابتة للقصف في حالة استدعائها في حالات الطوارئ. كما كان في قاعدته أنابيب تصب في قناة السويس لاشعال سطح القناة بالنابالم في حالة محاولة القوات المصرية العبور التي قامت القوات المصرية الخاصة وسلاح المهندسين بسدها تمهيدا للعبور في واحدة من أعظم العمليات.
يوم العبور
متى علمت بيوم حرب أكتوبر؟
كنت أنا و جميع قيادات الجيش كانوا ينتظرون هذه اللحظة وجميعنا في حماس ولا يراودنا شيء غير العمل على استعادة الأراضي المحتلة المصرية الى أحضان مصر الغالية.
وفي يوم 5 أكتوبر 1973 اجتمع بنا قائد الجيش الثالث الفريق عبدالمنعم واصل داخل حجرة قيادة الجيش، وجاءنا أمر بالقتال، وحضر الاجتماع جميع رؤساء الأفرع، وكانت التعليمات مشددة في ابلاغ مساعدينا اليوم التالي 6 أكتوبر 1973 الساعة 11 صباحا، وألا نبوح بأي لفظ عن هذا الاجتماع لأي أحد الا في اليوم التالي.
ما المهام التي أسندت اليك في حرب أكتوبر؟
منذ عام 1972 حتى 1974 وأنا اشغل منصب رئيس فرع مركبات الجيش الثالث، كنت أؤمن جميع مركبات الجيش الثالث بالكامل التي تعبر القناة، وذلك على المعابر والطرق والمحاور، وأيضا كانت مسؤولية فرع المركبات التجهيز والتحضير للعمليات.
وكانت المركبات تقوم بأعمال شديدة الدقة وهي عمليات مرتبة ومحفوظة عن ظهر قلب، لدرجة كنا نعلم أسماء سائقي النجدة بجميع المركبات، فقد تم تدريبنا مرات عديدة قبل ساعة الصفر والعبور وكانت هذه العمليات تتم بسلاسة فجميع المحاور بها نقاط نجدة وكنا نربط نقاط النجدة جميعها بعربات خدمة بها أطقم اصلاح وقطع غيار بحيث أي أعطال وتوقف يتم اصلاحها في طريق العبور.
كيف كانت لحظة العبور بالنسبة لك؟
كما هو معلوم بدأت الحرب الساعة الثانية ظهرا يوم 6 أكتوبر 1973، وبدأت بالضربة الجوية، ثم القوات البرية حيث كانت جميع العمليات منظمة ومخططة ومحكمة تماما .
وأول ثغرة تم فتحها في الساتر الترابي الساعة السادسة مساء من يوم الهجوم، بعدها تم فتح 60 ثغرة وتمت ازالة 90 ألف متر مكعب من رمال الساتر بشرق القناة حتى الساعة العاشرة مساء - أي ان في خلال 8 ساعات قد تم فتح 60 ثغرة حتى ان وصلت الى 82 ثغرة في اليوم التالي.
وبعد فتح الثغرة كانت تمر المدرعات أولاً لكي تثبت الأرض المبللة بالمياه وبعدها تمر المركبات وتم كل ذلك بسلاسة وكما هو مرتب له وفي وقت اقل مما كان متوقعاً.
وكان الاسرائيليون يعتقدون ان الجيش المصري سيهاجم خط بارليف بالقنابل والصواريخ، ولم يتوقعوا اطلاقا هذه الفكرة باستخدام «خراطيم» المياه لازالة الساتر القوي والحصين، وهي بالفعل كانت مفاجأة غير متوقعة، وقد علمت بعدها ان القادة في تل أبيب اتصل عندما اخبر ببدء الهجوم متسائلاً عن كيفية ازالة الساتر الترابي وفوجئ عندما علم باستخدامنا المياه وقال حينها لقد كسب المصريون الجولة الأولى .
شعور لا يوصف
ما شعورك وأنت تشاهد انهيار خط بارليف؟
احساس وشعور لا يوصف، كان شعورنا أننا مصريون بالفعل.. العدو كان في ذهول ولا يعرف مركز القوة أين هل يأتي من السويس أو اسماعيلية أو بورسعيد فجميع النقاط تعبر القناة، فقد أحدث العبور خللا في جميع العمليات المضادة للعدو.
هل كان يراودك عدم نجاح الفكرة لحظة العبور؟
في ثقة وبنبرة صوت تسودها القوة قال: لا.. اطلاقا .
صف لنا يومياتك في الحرب؟
الانجاز بلاشك كان كبيراً جداً وقد ظللت الأيام الأربعة الأولى لم أجلس على مقعد ثابت بل كنت طوال الوقت أتجول بين الوحدات في سيارة جيب بجوار السائق الخاص بي ونقطع المسافات بين شرق القناة وغربها ذهاباً واياباً وذلك بدون طعام أو نوم، حتى أنه ربما ظهر بعض الارهاق أو الجوع على ملامحي فسألني أحد أفراد الفرقة سيادة العميد هل أكلت فقلت له : لا أتذكر، وأنا صادق في ردي هذا حيث كنت غير ملتفت الى أي شيء سوى القتال وتنفيذ المهام «وبالفعل أحضروا لي ساندوتش أرز».
وكنت في تلك الأثناء أعبر من الكباري المطاطية الى المنطقة الشرقية للقناة لمتابعة السيارات والمركبات ومعاينة المتعطلة واستلام التقارير من كل وحدة عن المركبات المتعطلة لتحديد طلبات اليوم التالي وأيضاً لتحديد أيها سيتم اصلاحه في الميدان وهي للأعطال المتوسطة والبسيطة، وأيها سيتم جره الى المناطق المركزية لاصلاحه واعادته للجبهة، وأيضاً نقل قطع الغيار اللازمة للمركبات التي بالجبهة.
ماذا كانت مهامك في المعركة؟
هي نقل المعدات الى شرق القناة، واصلاح أعطال السيارات التي يصيبها التلف أو العطب، وكانت معدلات التعطل في أدنى درجاتها.
ما أبرز المواقف الشخصية التي تتذكرها ولا تنمحي من ذاكرتك؟
كثيرة، مثل مشاهدة اصرار الجنود والقيادات على العبور وتدمير قوات العدو واحتضان أرض سيناء وتقبيل ترابها الغالي وصيحات «الله أكبر» من جميع أفراد الجيش، وغير ذلك من مشاهدة القيادات التي أصيب بعضها في القتال ورغم ذلك كانت تتغلب على آلامها الرهيبة ولا تصرخ أو تتألم لكي لا تفت من عزم الجنود، بل منهم من كان يمر على وحداته وقواته وهو مصاب، وبدلا من ان يصرخ أو يتألم كان يحفز جنوده وقواته، مؤكداً لهم أننا سننتصر على العدو.
هل تم تكريمك على تلك الفكرة ودورك في الحرب ؟
نعم بعد ان تم تحقيق الانتصار قررت الدولة والحكومة المصرية ترقيتي الى رتبة اللواء واعطائي نوط الجمهورية من الدرجة الأولى على أعمال قتال استثنائية أثناء حرب أكتوبر وكتب فيه لامتيازه وبطولته في 6 أكتوبر عام 1973، وتسلمته من يد الرئيس الراحل أنور السادات في فبراير 1974، كما كرمني الرئيس محمد حسني مبارك ومنحني وسام الجمهورية من الطبقة الثانية وتسلمته من يده بمناسبة الاحالة الى التقاعد عام 1984 من القوات المسلحة، وكذلك كرمتني نقابة المهندسين المصريين لدوري البطولي في حرب أكتوبر
.