للتوضيح اكثر للعلم منقول
ويلاحظ على نص الاستيعاب أنه قد أطلق القول ولم يبين كتاب الوحي منهم من غيرهم إلا بالنسبة إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت، حيث قال في صدر كلامه: وكان أبي بن كعب ممن كتب لرسول الله صلى الله عليه وآله الوحي قبل زيد بن ثابت، ومعه أيضاً. ونحوه في الإطلاق ما في أسد الغابة في ترجمة أبي، إلا أنه في ترجمة زيد بن ثابت قال: وكان زيد يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله الوحي وغيره.
كما أن كلام اليعقوبي مطلق لم يبين فيه كتاب الوحي من غيره، قال: وكان كتابه الذين يكتبون الوحي والكتب والعهود: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعمرو بن العاص بن أمية، ومعاوية بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، والمغيرة بن شعبة، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وحنظلة بن الربيع، وأبي بن كعب، وجهيم بن الصلت، والحصين النميري
1.
لكن في محكي "منبع الحياة" للسيد نعمة الله الجزائري قال: كانوا أربعة عشر رجلا من الصحابة على رأسهم أمير المؤمنين عليه السلام.
وكانوا في الأغلب لا يكتبون إلا ما يتعلق بالأحكام وما يوحى إليه في المحافل والمجامع. وأما الذي كان يكتب ما ينزل في خلواته ومنازله فليس هو إلا أمير المؤمنين عليه السلام، لأنه كان يدور معه كيفما دار، فكان مصحفه أجمع من غيره من المصاحف.
وكيف كان، فما ذكره الأستاذ أبو عبد الله الزنجاني في كتابه "تاريخ القرآن" من أنه كان للنبي صلى الله عليه وآله كتاب يكتبون الوحي بالخط المقرر وهو النسخي وهم ثلاثة وأربعون أشهرهم الخلفاء الأربعة...الخ إما أنه سهو من قلمه أو أنه ظفر بما لم نظفر به مما يدل على أنهم جميعا كانوا يكتبون الوحي له صلى الله عليه وآله.
وعلى أي حال، فإن ما يهمني في هذا المجال هو ذكر من ثبت أنه كان كاتبا للوحي على حسب ما يساعد عليه الدليل، فأقول: إن من ثبت أنه كتب الوحي للرسول صلى الله عليه وآله:
1- علي بن أبي طالب عليه السلاموقد تقدم التصريح بذلك فيما نقلناه عن منبع الحياة.
وقال ابن عبد ربه: فمن أهل هذه الصناعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكان مع شرفه ونبله وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله يكتب الوحي...الخ
2.
وروى العلامة المجلسي عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن ربعي بن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان جبرئيل يملي على النبي صلى الله عليه وآله وهو يملي على علي...الخ
3.
وقال ابن شهر آشوب في المناقب: كان علي عليه السلام يكتب أكثر الوحي ويكتب غير الوحي
4.
وقال فيه أيضا: أفلا يكون علي عليه السلام أعلم الناس وكان مع النبي صلى الله عليه وآله في البيت والمسجد يكتب وحيه ومسائله ويسمع فتاواه ويسأله؟ وروي أنه كان النبي صلى الله عليه وآله إذا نزل عليه الوحي ليلا لم يصبح حتى يخبر به عليا، وإذا نزل عليه الوحي نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا
5.
وقد أورد الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج حديث احتجاج أمير المؤمنين علي عليه السلام على جماعة من المهاجرين والأنصار، حيث يقوله فيه: يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد صلى الله عليه وآله عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وآله وكل حرام وحلال أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط يدي حتى أرش الخدش...الخ
6.
ويمكن أن نعطف على ما تقدم مما يؤيده - وإن لم يكن صريحا في ذلك - ما في كتاب سليم بن قيس حيث يقول فيه: جلست إلى علي بالكوفة في المسجد والناس حوله، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها، فقال ابن الكواء: فما كان ينزل عليه وأنت غائب ؟ فقال: بلى، يحفظ علي ما غبت، فإذا قدمت عليه قال لي: يا علي، أنزل الله بعدك كذا وكذا فيقرأنيه، وتأويله كذا وكذا فيعلمنيه
7.
وما ورد في مقدمة تفسير مرآة الأنوار عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي عليه السلام: قيل: قال أمير المؤمنين:
ما دخل رأسي نوم ولا غمض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله حتى علمت من رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل به جبرئيل في ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي وفيما نزل وفيمن تنزل.فخرجنا فلقينا المعتزلة، فذكرنا ذلك لهم فقالوا: إن هذا الأمر عظيم! كيف يكون هذا وقد كان أحدهما يغيب عن صاحبه ؟! فرجعنا إلى زيد فأخبرناه بردهم علينا، فقال: كان يتحفظ على رسول الله صلى الله عليه وآله عدد الأيام التي غاب بها، فإذا التقيا قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا علي، نزل علي في يوم كذا وكذا وكذا وكذا، حتى يعدها إلى اليوم الذي وافى فيه، فأخبرناهم بذلك8.
ويلوح ذلك أيضا من كلام اليعقوبي المتقدم، حيث عده عليه السلام من جملة كتابه صلى الله عليه وآله الذين كانوا يكتبون الوحي والكتب والعهود.
وما ورد في إعجاز القرآن للرافعي حيث قال: واتفقوا على أن من كتب القرآن وأكمله وكان قرآنه أصلا للقرآنيات المتأخرة: علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود9.
ومن هنا نعرف مدى قصور ما قاله بعض المؤلفين وأهل التراجم في الوفاء في بيان الحقيقة حيث ذكروا أن عليا عليه السلام كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله أحيانا كما في المجلد الثاني من الكامل لابن الأثير، أو كان يكتب عهوده إذا عهد وصلحه إذا صالح كما في الاستيعاب في ترجمة أبي، وكما في أسد الغابة أيضا، وكذلك إهمال بعض آخر له حيث لم يعدوه في جملة الكتاب له صلى الله عليه وآله أصلا كما ارتكبه في الإصابة مع أنه ذكر أن معاوية كان يكتب، وكما فعله الزركلي في أعيانه، وكذلك الحال في تذكرة الحفاظ.
2- أبي بن كعب الأنصاري قال العلامة السيد مهدي بحر العلوم في رجاله: أبي بن كعب أبو المنذر سيد القراء وكاتب الوحي، عقبي، بدري، فقيه، قار، أول من كتب للنبي صلى الله عليه وآله من الأنصار، وهو من فضلاء الصحابة ومن أعيانهم
10.
وقال العلامة الحلي رحمه الله في الخلاصة: أبي بن كعب شهد العقبة من السبعين وكان يكتب الوحي، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينه وبين سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل، شهد بدرا أو العقبة الثانية وبايع لرسول الله صلى الله عليه وآله
11.
وقال ابن شهرآشوب: كان أبي بن كعب وزيد بن ثابت يكتبان الوحي
12.
وقد عده الرافعي في إعجاز القرآن - كما مر - من الذين كتبوا القرآن وأكملوه، وكان قرآنهم أصلا للقرآنيات المتأخرة، لكن هذه العبارة كما ترى غير صريحة.
وفي كتاب "الأعيان" للزركلي: أن أبيا كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود مطلعا على الكتب القديمة يكتب ويقرأ على قلة العارفين بالكتابة في عصره، ولما أسلم كان من كتاب الوحي. وعده القرطبي في الاستيعاب وكذا ابن الأثير الجزري في أسد الغابة من كتاب الوحي.
والحلبي في السيرة قال: إنه كان في أغلب أحواله يكتب الوحي.
وفي العقد الفريد قال ابن عبد ربه: إن غابا (علي وعثمان) كتب أبي بن كعب وزيد بن ثابت الوحي، فإن لم يشهده أحدهما كتب غيرهما
13.
ويلوح ذلك أيضا من عبارة اليعقوبي المتقدمة في علي عليه السلام حيث ذكره مع من اتفق على أنهم كانوا يكتبون الوحي والكتب والعهود.
أما ابن حجر في الإصابة وابن الأثير في الكامل فقد عداه من كتاب الرسول، من دون تصريح بأنه كتب الوحي أو لا.
هذا وقد أورد الكليني في الكافي حديثا يكشف عن أنه كان ممدوحا عند الإمام وفيه: أنه - يعني أبو عبد الله عليه السلام- قال:
إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال، فقال ربيعة: ضال ؟ فقال: نعم ضال. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:
أما نحن فنقرأ على قراءة أبي 14.
3- زيد بن ثابتقد تقدم أن ابن شهرآشوب قال في المناقب بأنه كان مع أبي بن كعب يكتبان الوحي، ومع عبد الله بن أرقم يكتبان إلى الملوك. وتقدمت الإشارة إلى ذلك في كلام اليعقوبي، حيث عده في جملة من كتبوا الوحي والكتب والعهود وإن لم يكن صريحاً في ذلك.
وذكر الحلبي في السيرة بأن زيدا ومعاوية ملازمان للكتابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في الوحي وغيره، لا عمل لهما غير ذلك
15.
وقال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة زيد: إنه كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله الوحي وغيره. وكانت ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله كتب بالسريانية، فأمر زيدا فتعلمها وكان عمره لما قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة إحدى عشرة سنة.
وفي تذكرة الحفاظ في ترجمة زيد قال: إنه المقري الفرض كاتب وحي النبي صلى الله عليه وآله - إلى أن قال: - فقدم النبي صلى الله عليه وآله وزيد صبي ذكي نجيب، عمره إحدى عشرة سنة فأسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يتعلم خط اليهود فجود الكتابة، وكتب الوحي.
كما أن الزركلي في أعيانه أيضا قد عده من كتاب الوحي. وفي قاموس الرجال في ترجمة زيد: عن الجزري كان - أي زيد - يكتب للنبي صلى الله عليه وآله الوحي وغيره - إلى أن قال: - وكان عثمانيا ولم يشهد مع علي عليه السلام شيئا من حروبه.
وفي جامع الرواة رواية أخرى فيها ذم له، وهي: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية - إلى أن قال عليه السلام: - وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية.
4- عبد الله بن سعد بن أبي سرح قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ﴾16: إنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة. حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عبد الله بن سعد ابن أبي سرح أخو عثمان بن عفان من الرضاعة قدم المدينة وأسلم، وكان له خط حسن، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله صلى الله عليه وآله من الوحي، وكان إذا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله "
سميع بصير" يكتب "
سميع عليم" وإذا قال "
والله بما تعملون خبير" يكتب "
بصير". ويفرق بين التاء والياء. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
هو واحد، فارتد كافرا ورجع إلى مكة، وقال لقريش: والله ما يدري محمد ما يقول، أنا أقول مثل ما يقول فلا ينكر علي ذلك، فأنا انزل مثل ما أنزل الله. فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله في ذلك:
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا...الخ
﴾.
فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله، فجاء به عثمان قد أخذ بيده ورسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد فقال: يا رسول الله اعف عنه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم أعاد فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أعاد، فقال:
هو لك، فلما مر قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: ألم أقل من رآه فليقتله ؟ فقال رجل: كانت عيني إليك يا رسول الله أن تشير إلي بقتله فأقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الأنبياء لا يقتلون بالإشارة، فكان من الطلقاء17.
ثم أورد الشيخ الصدوق حديثا - سيأتي قريبا - قال في ذيله: وإنما كان النبي صلى الله عليه وآله يقول له فيما يغيره "
هو واحد هو واحد" لأنه لا ينكتب ما يريد عبد الله، إنما كان ينكتب ما كان يمليه صلى الله عليه وآله فقال: هو واحد غيرت أم لم تغير لم ينكتب ما تكتبه بل ينكتب ما أمليه عن الوحي وجبرائيل عليه السلام يصلحه. وفي ذلك دلالة للنبي صلى الله عليه وآله.
ثم قال رحمه الله: ووجه الحكمة في استكتاب النبي صلى الله عليه وآله الوحي ومعاوية وعبد الله ابن سعد وهما عدوان هو أن المشركين قالوا: إن محمدا يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، ويأتي في كل حادثة بآية - إلى أن قال: - فاستعان في كتب ما ينزل عليه في الحوادث الواقعة بعدوين له في دينه عدلين عند أعدائه، ليعلم الكفار والمشركون أن كلامه في ثاني الأمر كلامه في الأول غير مغير، ولا مزال عن جهته فيكون أبلغ للحجة عليهم، ولو استعان بوليين مثل سلمان وأبي ذر وأشباههما لكان الأمر عند أعدائه غير واقع هذا الموقع، وكان يتخيل فيه التواطؤ والتطابق، فهذا وجه الحكمة في استكتابهما
18.
وقد عده الحلبي في السيرة من كتاب الوحي، وكذلك عده القرطبي في الاستيعاب من كتاب الوحي أيضا. وعبارة اليعقوبي فيها إشارة إلى ذلك أيضا حيث عده في جملة من كتبوا الوحي والكتب والعهود.
5- معاوية بن أبي سفيان أورد الصدوق حديثا عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله - ومعاوية يكتب بين يديه وأهوى بيده إلى خاصرته بالسيف -: من أدرك هذا يوما أميرا فليبقر خاصرته بالسيف. فرآه رجل ممن سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وهو يخطب بالشام على الناس، فاخترط سيفه ثم مشى إليه، فحال الناس بينه وبينه، فقالوا له: مالك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
من أدرك هذا يوما أميرا فليبقر خاصرته بالسيف. قال: فقالوا: أتدري من استعمله ؟ قال: لا. قالوا: أمير المؤمنين عمر. فقال الرجل: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين.
وقال الصدوق: إن الناس يشبه عليهم أمر معاوية بأن يقولوا كان كاتب الوحي، وليس ذلك بموجب له فضيلة، وذلك أنه قرن في ذلك إلى عبد الله بن سعد ابن أبي سرح، فكانا يكتبان الوحي
19.
وفي كلام اليعقوبي إشارة إلى ذلك حيث عده في جملة من كتبوا الوحي والكتب والعهود كما تقدم.
وقال الحلبي في السيرة: وقال بعضهم: كان معاوية وزيد بن ثابت ملازمين للكتابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في الوحي وغيره، لا عمل لهما غير ذلك
20. وقد تقدم ذلك في ذكر زيد.
لكنك إذا تدبرت فيما نقلناه وجدت أن ما عدا ما نقلناه عن الحلبي في السيرة لا يدل على أن معاوية كان يكتب الوحي، بل أقصى ما يدل عليه هو أنه كان يكتب للنبي صلى الله عليه وآله. ولو صح لنا الاستناد إلى ما في السيرة بمفرده وقلنا إنه كان يكتب الوحي له صلى الله عليه وآله فمن الواضح أن كتابته لم تكن إلا لأيام قلائل حيث إنه قد أسلم قبل وفاته صلى الله عليه وآله بمدة يسيرة.
وقد أنكر جماعة كتابته للوحي منهم العلامة الحلي رحمه الله حيث قال في كشف الحق: كان إسلام معاوية قبل موته صلى الله عليه وآله بخمسة أشهر. وطرح نفسه إلى العباس ليشفع له إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فيعفي عنه، ثم شفع إليه أن يكون من جملة خمسة عشر ليكتب له الرسائل
21.
وحول هذا الموضوع كتب الأستاذ العقاد في كتابه "معاوية بن أبي سفيان في الميزان" يقول فيه: وقد تعلم معاوية القراءة والكتابة والحساب. وتتفق الأخبار على كتابته للنبي صلى الله عليه وآله ولا تتفق على كتابته للوحي، ولا على حفظه لآيات من القرآن تلقاها من النبي، كما كان كتاب الوحي يتلقون الآيات لساعتها. والأرجح أنه لم يكن معروفا بحفظ شئ من كتابة الوحي في أيام جمع القرآن الكريم. ولو علم عثمان - وهو من ذوي قرابته - أن عنده مرجعا من المراجع يثوب إليه لرجع إليه كما رجع إلى غيره
22.
ولا مجال لنا هنا لاستقصاء المنكرين لكتابة معاوية للوحي، وقد عرفت جميع ما تقدم - ما عدا ما نقلناه عن الحلبي في السيرة - إذ لا يدل على ذلك، حتى كلام الصدوق، فإن كلامه إنما هو على فرض صحة قول الناس لذلك، فإنه لا يوجب له شرفا ولا منزلة.
6- عثمان بن عفان قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانا يكتبان الوحي
23.
وقد عده كثير من المؤرخين من الكتاب من غير تصريح بأنه كتب الوحي، فراجع الإصابة والاستيعاب والسيرة الحلبية وتاريخ الطبري وغيرها. وفي عبارة اليعقوبي المتقدمة تصريح باسمه، لكنها لا دلالة فيها على أنه كان يكتب الوحي. وعلى أي حال، فلم ينص على كتابته للوحي سوى العقد الفريد، كما أن معاوية لم ينص على كتابته للوحي غير السيرة الحلبية، إلا أن الفرق أن أحدا لم يصرح بالنفي فيه كما هو الحال في معاوية.
وعلى كل، فلا أظن أن ذلك يكفي في إثبات كتابته للوحي. وعليه، فالذين نطمئن بأنهم كانوا يكتبون الوحي هم الأربعة الأوائل: الإمام علي، أبي، زيد، عبد الله بن سعد، أما معاوية وعثمان - فضلا عن غيرهما - فحالهما في كتابة الوحي هي ما رأيت.
وأخيرا، فلا شك أنه كان للنبي كتاب كثيرون، نقلت أسماء بعضهم عن الاستيعاب وتاريخ اليعقوبي وغيرهما. وحيث إنني لم أجد بعد تتبعي في الكتب التي ظفرت بها من صرح بأن منهم من كتب الوحي أو عمم كتابته بحيث تشمل الوحي وغيره فإنني لم أتعرض لذكرهم في بحثي هذا، حيث إنه مقصور - كما أشرت إلى ذلك فيما سبق - على ذكر كتاب الوحي له صلى الله عليه وآله لا مطلق كتابه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ومنه نستمد الحول والقوة وهو المستعان.
*بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، آية الله السيد أبو الفضل مير محمدي الزرندي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، ص107-117.
1- العقد الفريد: ج 3 ص 5 فصل صناعة الكتاب.
2- بحار الأنوار: ج 18 ص 270 نقله عن بصائر الدرجات.
3- المناقب لابن شهرآشوب: ج 1 ص 162 في كتابه صلى الله عليه وآله.
4- المناقب لابن شهرآشوب: ج 2 ص 25 في المسابقة بالعلم.
5- الاحتجاج: ج 1 ص 153.
6- كتاب سليم بن قيس: ص 171.
7- مقدمة تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار: ص 15 الفصل الخامس من المقدمة الأولى ، والمطبوع قبل الجزء الأول من تفسير البرهان.
8- إعجاز القرآن للرافعي: ص 35.
9- الفوائد الرجالية: ج 1 ص 465.
10- الخلاصة (رجال العلامة): ص 22.
11- المناقب لابن شهرآشوب: ج 1 ص 162 في كتابه صلى الله عليه وآله.
12- العقد الفريد: ج 3 ص 5.
13- الكافي: ج 2 ص 634 باب النوادر من كتاب فضل القرآن ح 27.
14- السيرة الحلبية: ج 3 ص 327.
15- الأنعام: 93.
16- تفسير القمي: ج 1 ص 210.
17- معاني الأخبار: ص 347.
18- معاني الأخبار: ص 346.
19- السيرة الحلبية: ج 3 ص 327.
20- كشف الحق ونهج الصدق: ص 11.
21- معاوية بن أبي سفيان في الميزان: ص 164.
22- العقد الفريد: ج 3 ص 5.
23- راجع تفسير البيان: ص 162.