هل إنتشر الإسلام بالسيف؟ هل إنتشر الإسلام بالقوة؟ هل أجبر الناس على دخول الإسلام؟ هل نشر العرب الإسلام بالقوة بينما نشره الأعاجم بالكلمة والمعاملة الحسنة؟ وما هو دور القوة في الدعوة الإسلامية؟ كل هذه الأسئلة تدور في متناقضات العقل العربي المسلم. للإجابة أقول أنني، بادئ ذي بدئ، لست ممن يخجلون من هويتي الإسلامية العربية ولست ممن يلوون عنق التاريخ ليظهروا صورة للإسلام تتفق مع الرؤية الغربية للحضارة. تلك الرؤية القائمة على النفاق والخديعة والبراغماتية الذميمة. فمثلا إذا قيل أن الإسلام لم يساوي بين الرجل والمرأة أقول نعم ولا أدعي خجلا وخوفا أن الإسلام جعل الرجل والمرأة متساويين في كل شيئ. الإسلام جعل الرجل قواما على المرأة ولكنه حفظ حقوقها ومنع الرجل من أن يظلمها. وبما أنني أضرب المثل بهذه المسألة فقط فلندخل الموضوع، موضوع الإسلام والسيف، مباشرة ولنجب على هذه الأسئلة واحدا واحدا.
إجابة على السؤال الأول أقول نعم وألف نعم. ولنا نحن العرب المسلمون أن نفخر بأننا مزقنا فارس وحضارتها الزائفة شذر مذر وأزلناها إلى الأبد. فعلنا ذلك بالسيف لا بغيره. ولنا في سيرة معاركنا معهم خير الأدلة على ذلك. فعندما كانت معركة ذات السلاسل، وهي في منطقة كاظمة في الكويت، إنهزم الفرس وكانوا قد ربطوا جنودهم بالسلاسل بعضهم ببعض ونادى سيف الإسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه بالمسلمين قائلا "يا معشر المسلمين الأسر الأسر فوالله لنجرين النهر بدمائهم" وأسر من الفرس عشرون ألفا. ثم عرضهم عل السيف فمن لم يسلم جز رأسه. فأسلم الكثير منهم ويقول إبن كثير أن خالدا قتل منهم ما زاد على نصف الأسرى. ودققوا معي في خطاب خالد لهرمز قائد الفرس في تلك المعركة:
"أما بعد فأسلم تسلم، أو اعتقد لنفسك ولقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فلقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة".
هذا ليس خطابا وديا ولا دعوة بالحسنى أو ما إلى ذلك. هذا خطاب إعلان حرب ومطالبة بإذعان. ولم لا؟ ألم يكن الفرس ظلمة متجبرين؟ كيف سينسى العرب ما فعله بهم ذو الأكتاف؟ كيف سينسون إستعباد الفرس لإخوانهم في الأحواز؟ لم يكن الأكاسرة ليسمحوا بنشر الإسلام في ديارهم إلا إذا كانوا جثثا هامدة. فبعد أن هزم الأكاسرة وإجتثت مملكتهم عرض العرب الإسلام على الفرس فدخلوا فيه إختيارا لا قسرا. إذاً العرب المسلمون عرضوا جنود الفرس على السيف فإما القتل أو الدخول في الإسلام. أما الأهالي المدنيين من غير المقاتلة فلم يجبروا على الإسلام. وإن دخلوا فيه خوفا فهذا شأنهم ولكن ما إن دخل أحد في الإسلام حتى تساوى مع العرب المسلمين في كل شيئ.
هل إنتشر الإسلام بالقوة؟ نعم وألف نعم ولنا الفخر. كيف لا وقد إجتثثنا الروم من بلاد العرب في شمال الجزيرة إجتثاثا؟ لقد طلب ثيودور بانيس قائد الروم في معركة اليرموك الهدنة من خالد إبن الوليد بعد أن أدرك أنه قد وقع في فخ الواقووصة هو وجيشه. فما كان من خالد إلا أن أرسل له يقول "أبعدما علمت بأنك وجيشك هالك؟ إخدع رجلا غيري". وكان أبو عبيدة رضي الله عنه، و قد وُلي قيادة الجيش من قبل عمر إبن الخطاب رضي الله عنه ولكنه أجَّل إبلاغ خالد وتركه يقود المعركة حرصا على المصلحة العامة، كان تقيا ورعا وقَّافَا عند أمر الله وكتابه. فقال لخالد "يا خالد وما تفعل بقول الله (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)؟" فقال خالد "لو أرادوا السلم لأرادوه قبل الواقووصة". ودارت تلك المعركة ستة أيام. وفي اليوم السادس، وعندما كان التقهقر الكبير للروم وحلفاؤهم من العرب الغساسنة المسيحيين بقيادة جبلة إبن الأيهم، نادى خالد وقادته في المسلمين "يا معشر المسلمين القتل القتل فوالله لن يغزونكم علج بعد اليوم". فلم يرجع لبلاد الروم من ذلك الجيش إلا واحد من كل عشرة كما يذكر إبن كثير في التاريخ العظيم. ثم ماذا كان من أمر العرب المسلمين بعد ذلك من أهالي الشام؟ تركوهم وشأنهم. من شاء أسلم ومن شاء بقي على نصرانيته. ولم يجرِم المسلمون شنآن جبلة إبن الأيهم وقد غدر بإخوته العرب وحارب مع الروم. لم يجر ذلك الموقف منه على نصارى الشام من العرب أي وبال. ووجود النصارى في بلاد الشام إلى هذا اليوم خير شاهد على ذلك.
هل أجبر الناس على دخول الإسلام؟ كلا وألف كلا. ولكن الناس مع المنتصر ومع القوي. فكلما زادت إنتصارات المسلمين كلما دخل الناس في دين الله وتساووا مع إخوانهم العرب في كل شيئ. فأنظر مثلا كيف دخل الإسلام إلى مصر. لم يحارب العرب أهل مصر. بل حاربوا الرومان والإغريق الذين كانوا يحتلون مصر ويسومون أهلها سوء العذاب. والتاريخ ينبئنا بأن المسلمين قاتلوا الروم الذين فروا من اليرموك وبيت المقدس إلى مصر بقيادة الداهية الرومي الأرطبون في حصن بلبيس حيث قتلوا الأرطبون والراهبان الروميان أبو مريم وأبو مريام. ثم تابعهم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى حصن أم دنيين (الأزبكية حاليا) وأحدث فيهم مقتلة عظيمة. الأقباط لم ينحازوا لأي الطرفين. ثم أجهز عمرو بن العاص على باقي الروم في معركة حصن بابليون. ثم دخل المصريون (الأقباط) في الإسلام قاطبة. ولم يبقى نصارى في مصر إلا من لم يجد ما يعود به إلى روما من جنود الروم البؤساء. فسمح لهم عمرو بن العاص رضي الله عنه بالبقاء. ولهذا نجد اليوم أن من يسمون أنفسهم بالأقباط هم حقا بقايا رومان وإغريق سمح لهم المسلمون بالبقاء على دينهم لأنهم ألقوا سلاحهم وعاهدوا على ألا يقالتلو العرب المسلمين ولكننا نراهم اليوم ينكثون عهودهم ويكشرون عن أنيابهم الواهية فمهلا مهلا. وتساوى المصريون مع العرب بل إختلطت أنسابهم إلى أن ذابوا ببعضهم البعض وأصبحوا أمة واحدة.
إن القوة وشدة البأس من أهم دعائم الأمم والحضارات. وما غير ذلك هراء وسذاجة. ولنتذكر بأننا عرب ومسلمون. نعم لقد نشر الأعاحم الإسلام بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة. ولعله قد إنتشر أكثر بهذه الطريقة وهذا مما لا بأس به. ولكن كل ذلك الإنتشار كان على خلفية القوة العربية الإسلامية. فليس من طبائع البشر أن يتبعوا الضعفاء. لسنا هنودا نلبس الساري ونجر خلفنا تيسا أو سخلة كغاندي. نحن عرب مسلمون شم الأنوف أشداء الشكيمة. القوة هي مفتاح النصر والطريق إلى العزة. وليكن لنا في الفرس درسا وعبرة. لقد أسلم هؤلاء القوم وأراهم اليوم أقوى من العرب وأعز نفرا وجندا. ولهم الفخر في ذلك إذ أنهم عرفوا أن القوة هي سبب العزة والكرامة. لو كانوا ضعفاء لسرحت ومرحت الدبابات الأمريكية في شوارع طهران. ولكننا عرب أيها الناس. إختارنا الله لرسالته وهو أعلم حيث يضع رسالته. ولذلك شدد علينا أعداء أمتنا الهجومات من كل صوب وحدب. ووالله لو كانت أمة غير أمة العرب تعرضت لما تعرضنا له لكانت فنيت عن بكرة أبيها. ولست أجد أعذارا للعرب على وهنهم وضعفهم ولكنني اسدد وأقارب. فعليكم بني جلدتي بالقوة. وأقصد بالقوة القوة في كل شيئ. ولا أقصد التهور والرعونة والإستماتة. وأول ما يجب أن نقويه هو ديننا الذي هو عصمة أمرنا ومن هناك ننطلق وبهذا الدين نسود وننتصر. ولا يخجل من كونه عربي أو مسلم إلا كل خرع جبان أو مهياف أخرق. ودمتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.